لا يتغير موعد رنيين منبهي يوم الجمعة عن باقي ايام الاسبوع، يبدأ بالرنيين في الخامسة صباحاً، اطفئه واعتدلُ جالساً مقاوماً رغبتي في العودةِ الى النوم، متجنباً الوقوع في شِراك جاذبيته، التقط هاتفي النقال خمسة الى عشرة دقائق، اتصفح التنبيهات واقراء ما يلفت الانتباه، ثم اغادر الفراش.

اتجه الى المطبخ لاشربَ كوبَ ماءٍ فاتر، روتين اعتدت عليه منذ نحوِ عشرون عاماً، ثم اتوضأ واغسل اسناني استعداداً لصلاة الفجر، ألبسُ ملابسي الرياضية واتناول حبتانٍ او ثلاثْ من التمر مع كوب القهوةِ الصباحية الساخنة، احمل حقيبتي الرياضية ومطرات الماء البارد وأُغادر المنزل.

رائع ذلك الشعور، عندما تخرج من باب البناية فتداعبك نسمةٌ باردة، وكأنها توقظك من سبات نومك لتقول لك هاقد جاء يومك المفضل، يوم الجمعة، انظر الى السماء واتأمل جمالها لاقول ربي سبحانك كيف رفعتها من غير عمد، ما خلقت هذا باطلاً، ارى القمر واحدثه “يا قمر، ربي وربك الله لا اله الا هو”، تنصت السمع لما هو حولك فلا تسمع ضجيجاً ولا ربكة، فقط اصوات عصافير استيقظت باكراً تشد الهمة لِتُأمْنَ قوت يومها وقوت عيالها كما علمها خالق الكون وفَطَرَها، وحفيف اشجار تحركها نسمات الصباح، لتميل وتتراقص على نغمِ عزف جميل تعزفه بأوتار اوراقها وآلآت اغصانها.

اجلس خلف مقود سيارتي، أُدورُ محركها وانطلق، افتح نافذتها بقدر ما تسمح به درجات حرارة ذلك اليوم، لاشعر ببرودة سافتقدها ما ان القى الرفاق ونبدأ الركض، تسير السيارة في شوارع خالية الا من قليل من السيارات، في معظم الاحيان يمكن عدها على اصابعِ يدٍ واحدة، تدور بنا الارض فيبدأ ظلامَ الليلِ بالانحسار مفسحاً مكانه لضوء النهار ليتسلل من الافق البعيد.

اصل مكان تجمع فريق الركض، اخذ من السيارة ما احتاج اليه، سماعات الموسيقى، مطرة مياه الركض، اضبط ساعتي الرياضية واركض جولة في شوارع عمان قبل ان يحين موعد ركضة المجموعة، تطول او تقصر، بحسب ما يسمح به وقت ذلك اليوم، واتابع ما كنت بدأت به لحظة خروجي من باب البناية، اصواتُ عصافير، ونور شمس قد بدأت لتوها بالبزوغ من وراء افق الشرق، من يستطع ان يأتي بك كل صباح من هذا المكان، من ذا العظيم الذي جعل الارض تدور حولك كل يوم لتجعل نومنا سُباتاً، ولَيلَنا لباساً، ونَهارنا مَعاشاً، سبحانه لا اله الا هو بديع السموات والارض خالق كل شيء.

تأخذني ساقاي مجدداً الى مكان تجمع افراد الفريق، فاجدهم قد بدأوا بالتجمع استعداداً لركضة جديدة تنفض عنا غبار الجلوس وراء قضبان سجون المكاتب، يلتقط يزن منشىء المجموعة صورة الاسبوع، ويشير لنا بالبداية، ينطلق كل منا وكأن باب قَفَصَهُ قد فُتح، نَفردُ اجنحتنا ونحلق في دروب الحرية، متعة لا يعرفها الا من ذاق حلاوتها، فسحة من الوقت لا تتاح لنا الا مرة في نهاية كل اسبوع على ان نعود طائعين الى اقفاصنا قبل صباح الاحد، نستنشق خلالها هواءً نقياً مشبعاً بالحرية، نركض في شوارع عمان الجميلة منتقلين من احياء في غاية الحداثة والفخامة الى شوارعها القديمة وزقاقها الضيقة لتحكي لنا عن عراقتها، نمر امام احد مخابزها فنشمُ رائحة خبز طازج ينادينا قائلاً، تعال واقضم مني قطعة، فتبداً عصافير امعائنا بالهتاف، نعم نعم نريد ان نأكل، ياتيها امر رئيسها التنفيذي السيد دماغ ان ورائنا عمل لنهيه، نعود ونمر عن مطعم صغير فنشم رائحة الفلافل تملأ الاجواء، فَتُعادُ تلك الكَرة مجدداً، ثم ترى العين رجلاً يحمل صفطاً من المعجنات عائداً به الى اهل بيته، لتدور هذه المعركة مرات ومرات بين تلك المعدة الخاوية المتمردة وبين ادارة الجسد العليا، تميل باقي اعضاء الجسد احياناً لتؤيد المعدة في تمردها بعد ان تكون قد انهكت، واحياناً تقف الى صف ادارتها عندما تكون لا تزال قادرة على العطاء.

اعود الى منزلي لا استطيع انتظار طعام الفطور، اوقظ اهل بيتي ريثما اخذ حماماً سريعاً واخرج راكضاً الى سفرتي محاطاً بافراد اسرتي ووالدتي، اتناول فطوري واملاء معدتي، استذكر واستشعر تلك الصحة والقوة التي منحني اياها رب العرش لامارس الرياضة واعود الى منزلٍ دافئٍ آمن مُؤَمِناً فيه قُوتَ عيالي لاقول، اللهم ما اصبح بي من نعمة او باحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر يا رب العالمين، اقولها احياناً مراتٍ ومرات خصوصاً وانا في طريقي الى صلاة الجمعة، وانساها احياناً كثيرة. من منا لا يحب عطلة نهاية الاسبوع، كلنا ينتظر يوم الخميس لاجلها، ولكن منا من يفضل الخميس، ومنا من يفضل الجمعة، وبعضنا قد يحب السبت، عن نفسي، احب يوم الجمعة، جعل الله جميع ايامكم وجُمَعِكم سعيدة ومباركة.

اقرأ ايضاً، ماذا تعلمت من الركض وماذا استفدت

بدك تركض، اركض مع مجموعة Running Amman، او Street Trail Runners