كان عام 2019 حافلاً بالنّشاطات الرّياضية! ففيه بدأت أشعر بأنني لم أعد رياضية مبتدئة، تطور مستواي في رياضة الجري، وتمت دعوتي من فريق Running Amman للمشاركة في أحد فرق المجموعة في سباق “البحر الميت إلى البحر الأحمر Dead2Red” حيث شاركت في  أحد فرق التتابع التي أنشأتها المجموعة، وكان فريقاً مكون من عشرة عدائين، قطعنا مجتمعين مسافة مائتان وأربعون كيلومتراً في نحو اثنان وعشرين ساعة، حققنا فيه المركز الثاني على الفرق المشاركة في فئة النصف ماراثون. كما شاركت في ماراثون البتراء الصحراوي بفئة نصف الماراثون، كان ولايزال حتى اليوم واحداً من أجمل السباقات التي خضتها لجمال مناظر الجبال المحيطة في منطقة وادي موسى، كما كان لمشاركة العديد من أفراد فريق Running Amman أثراً كبيراً في جعله سباقاً متميزاً سيبقى محفوراً في ذاكرتي ما حييت. في هذا العام أيضاً شاركت لأول مرة في الألعاب المفتوحة Open Games  الخاصة برياضة كروسفت CrossFit. أما أهم ما ميز هذا العام، فكان قراري بالبدء بالتمرين لركض أول ماراثون كامل في حياتي، كان ذلك في نهايات العام 2019، عام تغير قواعد اللعبة . 

الماراثون

منذ بدأت بممارسة رياضة الجري كانت فكرة خوض تجربة الماراثون تجوب خاطري بشكل مستمر، خصوصاً بعد أن خضت عدة تجارب في سباقات نصف الماراثون، وبعد أن سمعت عدداً من قصص العدّائين الذين خاضوا التجربة من خلال مقابلات مسجّلة مع كوتش بنيت على تطبيق Nike Run Club.

كنت أستمتع بسماع قصصهم وتمارينهم، كما استفدت من نصائحهم وتعرّفت من خلالهم على الماراثونات الرئيسية حول العالم وكيفيّة التأهل للمشاركة فيها. دفعني ذلك للبحث في داخلي فيما إذا كانت لدي القدرة على خوض تجربةٍ مشابهة، بدأت أقرأ عن كيفية التحضير لسباق الماراثون وعن التغيير الذي يشهده كل من يسعى للمضيّ في هذا الطّريق، وعن الشّعور بالإنجاز وتقدير الذات عند تجاوز التّحديات التي يفرضها ذلك النوع من السباقات والتمارين التي ترافقه، إلى أن سمعت عن رحلة مالطا من بعض الأصدقاء من فريق Running Amman.

لا زلت أذكر تماماً ما دار في ذلك اليوم من نقاش بين أعضاء الفريق في أحد مقاهي منطقة اللويبدة في عمان، بعد أن أنهينا الرّكض في صباح يوم الجمعة. كنت متردّدة لا أعرف إن كنت سأختار المشاركة في سباق الماراثون أم نصف الماراثون. سألني يزن، وهو أحد مؤسسي فريق Running Amman، عن رغبتي بالانضمام إلى هذه المغامرة، وأذكر أننا ناقشنا سوياً فكرة التسجيل في سباق الماراثون وكيف بدى واثقاً من قدرتي على ركض مسافة الماراثون. لم يكن جوابي حاضراً بعد، لكنّني فكّرت في نفسي… ألا تريدين أن تصبحي واحدةً من هؤلاء العدّائين الذين طالما استمعت إلى قصصهم مع سباقات الماراثون، ألا تريدين أن تصبحي مصدر إلهام لفتيات أخريات كما هي البطلة منال رستم بالنسبة لك، وجدت نفسي التهب حماساً لاختيار ذلك التحدي في مساء ذلك اليوم، توجهت إلى غرفتي وفتحت جهاز كمبيوتري وقمت بالتسجيل في سباق الماراثون، كانت الابتسامة مرسومة على وجهي وأنا أرسل رسالة نصية إلى أفراد المجموعة لأعلمهم أنني قمت بالتسجيل في سباق الماراثون، لن أنسى يوماً ذلك الدعم الذي حظيت به منهم ذلك المساء!

استعدادات الماراثون

لمن لا يعرف شتاء عمان فهو بارد لدرجة التجمد، خصوصاً في الكوانين شهري ديسمبر ويناير، وفي هذه الأجواء، بدأت تكثيف تماريني استعداداً لماراثون مالطا الذي سينطلق في الأول من شهر مارس. كان ذلك تحدياً كبيراً بحد ذاته لأنني لم أعتد الجري أربع مرّات في الأسبوع، ليس هذا فحسب، بل كان علي أن أركض لمسافات طويلة أيام الجمعة ابتداءً من الخامسة فجراً. لكن الشغف والحماس جعلاني أتطلع إلى تلك الأيّام فأستيقظ مبكّرة لأخرج للتمرين وأستمتع بمشاهدة شروق الشمس عند كوريدورعبدون ومن ثم المرور بشاعر زهران برفقة إلسا، احدى صديقاتي من Running Amman، التي شاركتني التّدريب أيّام الجمعة، كنّا نقوم بتقسيم المسافة إلى أجزاء حتى يسهل علينا اجتيازها. كم كانت فرحتنا كبيرة بعد أن انهينا مسافة ثلاثين كيلومتراً معاً لأوّل مرّة تحت وابل من المطر.  كما أنّني لن أنسى الدّعم والتشجيع الذي حظيت به من يزن وأصدقائي من Running Amman طيلة فترة التّمرين، فكان لذلك أثر كبير في نفسي وكان حافزاً يدفعني للاستمرار في تماريني وخوض التجربة حتى النهاية.

مرت الشهور الثلاثة سريعاً وجاء وقت السّباق المنتظر! كان الظلام لا يزال مخيماً على أرجاء منطقة سليمة في مالطا عندما استيقظت في ذلك اليوم، جهزت نفسي بسرعة وخرجت لأجد اصدقائي بانتظاري في بهو الفندق. كان علينا ركوب حافلة لتقلّنا من سليمة الى مدينة “Medina” حيث خط البداية. التقطنا الكثير من الصّور قبل انطلاق صافرة البداية، قبل ان تدب الموسيقى في أرجاء المكان إيذاناً ببدء عمليات الإحماء، حتى قام منظمو السباق بالإعلان عن ضرورة توجه العدائين إلى نقطة البداية استعداداً لبدء السّباق.

السباق

انطلق السباق، أحببت مساره وأحببت وجود الأرانب، والأرانب في سباقات الركض هم عداؤون يحددون سرعة السباق، يحملون بالونات ملونة بألوان مختلفة تحمل أوقاتاً محددة لمساعدات المشاركين بإنهاء السّباق في وقت محدد يطلق عليهم باللغة الانجليزية (Pacemakers)، فلو أردت إنهاء السباق بزمن أربعة ساعات على سبيل المثال عليك اتباع العداء الذي يحمل البالون الذي يحمل الزمن 4:00. لم أتبع أي منهم على اي حال، كان هدفي الاستمتاع بهذه التّجربة بغض النّظر عن الزمن. كنت منسجمة ومستمتعة بجو السّباق، فمالطا بلد جميل لم أزره من قبل. وكان هنالك عروض موسيقيّة لتشجيع العدائين تظهر بين الحين والآخر على جنبات مسار السباق.

لم أشعر بالتعب حتى بلغت الكيلومتر الثالث والثلاثون، كنت أعرف هذه النقطة جيداً، هي ما يسمى في عالم الماراثونات الحائط او The Wall، سمعت الكثير من العدائين يتحدثون عنها، داهمتني رّغبة ملحّة بالتوقّف من شدّة التعب. وبالفعل بدأت سرعتي تتراجع بشكل ملحوظ اضطرتني للمشي بين الحين والآخر وفي كلّ مرة كنت أمشي فيها، كنت أجد صعوبة في معاودة الجري، مضى الوقت المتبقي بطيئاً ومتعباً، حاولت عدة مرات إعادة تشجيع نفسي وتذكّرت جميع التمرينات والجهود التي بذلتها وأنني لم أقم بكل ما قمت به لأستسلم في نهايات السّباق. من حسن حظي أنني التقيت ببعض الأصدقاء من الفريق وحاولنا الجري معاً لنشجع بعضنا.

كان الجزء الأخير من السّباق في مدينة سليمة المطلّة على البحر، حاولت أن أبقي تركيزي على المناظر المحيطة كي أنسى الإرهاق والتّعب، حتى ظهر خط النّهاية حيث كان في انتظاري العديد من الأصدقاء. انتابني مزيج غريب من المشاعر، سّعادة غامرة وتّعب شديد، كثير من التأثر وبعض من الفخر، دموع فرح ودموع تعب حاولت جاهدة حبسها. التقطنا العديد من الصور معاً ثم توجّهنا للقاء الآخرين لتناول طعام الغداء معاً بعد أن التقطنا صورة جماعية للمجموعة تطوق أعناقنا ميداليات السباق.

من خلال تجربتي المتواضعة مع الرّياضة، استطعت أن أنشأ عادات إيجابيّة جديدة غيّرت حياتي نحو الأفضل. وإلى جانب التّمرين الجسدي، كانت الرّياضة وما زالت جزء من حياتي ووسيلة للتخفيف من الضغوط والتوتّر، حيث أقضي وقت الجري في تقليب أفكاري ومراجعة نفسي والتأمل، كما أكسبني ثقة أكبر في نفسي وعرّفتني على كثير من الأصدقاء الجدد.

اقرأ الجزء الاول من قصة سجى الرياضة من اساسيات الحياة