بعد التزام برياضة الجري لعدة اشهر، فوجئت وفوجئت اسرتي بمرض والدي، لم استطع السيطرة على مشاعري ولم تسعفني عقليتي بتقبل الامر، فذلك الاب الحاني الذي انشأني ورعاني منذ ولدت الى ان اصبحت على ما انا عليه اليوم قد مرض، بدأت بتناول بعض الادوية المهدئة، وانقلبت حياتي رأساً على عقب، شهور مرت كانها الدهر باكمله، حتى غادرت عمان متوجهة الى لندن بهدف الالتحاق بدورة تدريبية كنت قد دفعت ثمن الالتحاق بها قبل عدة اشهر، احتاج حقاً الى الذهاب هناك، لا اعرف ان كان الدافع هو الهروب او الابتعاد عن الضغوط ام انها عاصمة الضباب بطبيعتها الجذابة وسكون اريافها الذي تمنيت ان ينعكس سلاماً على داخلي المضطرب، ما اعرفه فقط هو انني كنت حقاً احتاج الذهاب الى هناك، حيث درست وعملت لنحو ثلاث سنوات قبل عدة اعوام واعرف ذلك المكان تماماً كما اعرف عمان

في احد الايام بعد فترة قصيرة من وصولي الى هناك خرجت للركض، طبعاً رافقتني نفسي خلال تلك الركضة، وما ان بدأنا بالركض حتى بدأت حديثاً مطولاً معي، ما الذي تفعيلنه يا علا، اسيغير ذلك من اقدارك واقدار من تحبين، لم اعهدك ضعيفة الى هذا الحد، اعتقدت انك على درجة عالية من القوة والصلابة ولكن يبدو انني كنت مخطئة، اتلجأين الى الادوية عند اول مشكلة حقيقية تواجهينها في حياتك، الست انت من كان دائماً يقول لكل من اراد الهرب من مشكلاته ان الهروب ليس هو الحل، انت الان امام فرصتك الاخيرة، فاما ان تعودي الى ما كنت عليه قوية صلبة، واما انك ستلقين بنفسك الى التهلكة، انت اقوى من مجرد حبة دواء يا علا

انهيت الركضة وعدت الى منزلي، توجهت فوراً الى درجي حيث احتفظ بعلبة ادويتي، امسكت بها وخرجت، مشيت بضع خطوات حتى وصلت الى اقرب حاوية قمامة في الحي، رميت بعلبة الادوية، ادرت ظهري وعدت الى الداخل، وقطعت عهداً على نفسي انني لن اعود ابداً لمثل هذا الضعف، فانا قوية بما يكفي، والا لما كنت قد برزت برياضة الكيك بوكسينغ ولا استطعت العيش هنا في هذه المدينة بعيدة عن اهلي واحبتي قبل عدة سنوات، اصبح الركض هو دواء جروحي وعلاج الامي، ففيه كنت اشعر بانني لا زلت قادرة على الصمود، ومن خلاله كنت اجد الاجابات على تساؤلاتي، وبه كنت استعين على لحظات ضعفي، كنت في كل مرة اخرج فيها للجري اركض مسافة عشرة كيلومترات، كان ذلك خلال العام 2016

في شهر اغسطس من العام 2018 سالني احد الاصدقاء ان كان لي رغبة في ركض سباق ماراثون، فاجأني السؤال تماماً اذ كانت اقصى مسافة كنت قد قمت بركضها هي عشرة كيلومترات، فكيف لي ان اركض لمسافة تزيد عن الاربعين كيلومتراً، شكرته على السؤال واعتذرت، الا انه الح علي بالامر في ظل وجود نحو ثمانية اشهر لموعد السباق، وانني رياضية من ايام الطفولة، وانني مع التمرين الجيد ساتمكن من من انهاء السباق. باصرار من طرفه وتحد من طرفي، قلت له موافقة، فقال ما رأيك باثنين اذاً، سالت ماذا تعني، قال ماراثون باريس سيقام في ابريل من العام المقبل، اما ماراثون لندن فسيقام بعده باثني عشر يوماً فقط، وتعرفين بان الرحلة بين باريس ولندن لا تستغرق اكثر من ساعتين ونصف على الاكثر. اعادت كلمة لندن الكثير من الذكريات الى ذهني، اخذتني الى تلك الايام الصعبة التي مررت بها، كما اخذتني الى ايام اخرى جميلة عشتها مع اصدقائي ايام الدراسة في تلك المدينة الساحرة، وجدته يسالني مجدداً، لم تجيبيني ما رأيك باثنين، تبسمت وقلت، نعم، موافقة. وبدأت التدريب لسباق الماراثون، ولم اكن اعرف ما الذي ينتظرني هناك

بعد ايام من التدريب خطر لي ان ابحث في مواقع التواصل الاجتماعي عن شريك للجري في الاردن، وجدت فريق Running Amman على موقع فيسبوك وقمت بالتواصل معهم على الفور، استفسرت منهم عن عدد المرات التي يقومون فيها بالركض اسبوعياً واعلموني انها ثلاث مرات، ممم جيد، هذا تماماً ما ابحث عنه، وماذا عن المسافات، جائني الرد بانه يتراوح بين ثمانية الى عشرة كيلومترات، سالت، ماذا لو انني اريد ان اركض اكثر من ذلك، اجابوني ان بامكاني ان اركض المسافة التي اريدها سواء قبل او بعد الركضة الجماعية. انضممت اليهم، وساعدني وجودي معهم على زيادة المسافة التي اركضها من نحو اثني عشر الى سبعة عشر كيلومتراً خلال اسبوعين فقط

اول نصف ماراثون

لم يمضي على انضمامي لفريق Running Amman سوى بضعة اسابيع حتى جائني احد اعضاء الفريق وسالني، اترغبين بالمشاركة معنا في احد سباقات ماراثون عمان الدولي، بامكانك الاختيار بين عشرة، واحد وعشرون او اثنان واربعون كيلومتراً، بدت لي فكرة ركض سباق نصف ماراثون مثالية في ضوء استعداداتي لسباق الماراثون، نعم استطيع بكل تأكيد ان اركض مسافة واحد وعشرون كيلومتراً، لقد ركضت سبعة عشر كيلومتراً في عطلة نهاية الاسبوع الماضي ومن السهل ان اركض اربعة كيلومترات اضافية، نعم ساسجل في سباق نصف الماراثون

جاء يوم السباق سريعأً، شاركت فيه بكل حماس واستطعت ان انهي السباق باقل من ساعتين، وهذا يعتبر زمن جيد لعداء مبتدئ. كان ذلك في الثاني عشر من تشرين الاول من العام 2018، بعدها باقل من شهرين شاركت في نصف ماراثون اخر هو نصف ماراثون ايلا والذي يتم تنظيمه في ديسمبر من كل عام في مدينة العقبة، وايضاً تمكنت من انهاء السباق في اقل من ساعتين

ثم جاء فصل الشتاء ببرودته وقسوته، وكان لزاماً علي ان اخرج للتدريب في اجواء شديدة البرودة احياناً، عاصفة احياناً، وماطرة احياناً اخرى، كنت ارتدي ملابس رياضية دافئة واخرج في الصباح الباكر، اجوب شوارع مدينة عمان ركضاً وانا افكر في كل ما يتعلق بحياتي على كل المستويات، كان الركض ينسيني برودة الطقس وقطرات المطر التي كثيراً ما بللتني واغرقت ملابسي، كنت اخرج للتمرين ولا اتوقف حتى انهي المسافة التي حددتها لنفسي مسبقاً، واستمريت بالاستعداد والتدريب حتى وصلت الى مسافة ثلاثة وثلاثون كيلومتراً خلال فبراير 2019 وكانت هذه اطول مسافة اركضها قبل سباق الماراثون، حيث بدأت بعدها بتقليص المسافات لامنح جسدي الراحة التي يحتاجها قبل خوض تجربة رياضية جديدة لا خبرة لي فيها من قبل

ماذا حصل في باريس، وهل قامت بطلة قصتنا بانهاء سباق الماراثون، تابعونا الاحد القادم في الجزء الثالث

اقرأ ايضاً على مدونة اركض قصة نصف الماراثون لسامي قطامي

اقرأ ايضاً قصة البداية واول خمسة كيلومترات