احد عشر يوماً مروا سريعا ووجدت نفسي في غرفتي في لندن اجهز ملابس وحذاء ماراثون لندن الذي سينطلق صباح اليوم التالي، كنت في غاية السعادة والاثارة، فتجربة باريس منحتني ثقة افتقدتها قبل ذلك السباق، كطفلة صغيرة اويت الى فراشي باكراً لانني اردت لذلك اليوم ان ينتهي ليأتي صباح الغد

تماماً كما حصل في باريس، استيقظت باكراً بهدف تهيئة نفسي ومعداتي للسباق، تحركت سريعاً بدافع من حماس كبير في داخلي دفعني لمغادرة غرفتي باكراً حتى وصلت الى نقطة بداية السباق. وجدت اعداد المشاركين اكبر مما كانت عليه في باريس، ولكن مسار السباق بدا لي غريباً نوعاً ما، اذ ان موعد انطلاق السباق تزامن مع موعد انتهاء احد اضرابات عمال النقل العام، ونظراً لعودة العمال الى عملهم قبل يومين فقط من انعقاد السباق، وتجنباً لتعطيل وسائل النقل العام مجدداً في وسط مدينة لندن قرر عمدة المدينة تغيير مسار السباق، كان المسار البديل ضيقاً مزعجاً خصوصاً في ظل مشاركة اكثر من 55 الف عداء من حول العالم. بدأ السباق وبدأ العدائون في الجري، لم يكن بالامكان ايجاد موطئ قدم بسهولة، كما ان قرب العدائين من بعضهم البعض ادى الى تصادمات وتعثرات خصوصاً بعيد نقطة البداية. ازعجتني البداية وخصوصاً اذا ما قارنتها ببداية ماراثون باريس، ركضت اول عشرة كيلومترات بشكل لا بأس به ولكني شعرت ببعض الالام في ركبتيّ، استمريت في الجري وبدأ الالم يزداد، بدى وكان احدهم يطرق بمطرقته عليهما مع كل خطوة اخطوها وكان لايزال امامي اثنان وثلاثون كيلومتراً لاركضها، بدأ حواري مع نفسي وهذا امر طبيعي يحصل لكل من يركض مسافات طويلة، هل انسحب، بالطبع لا، لست انا من يستسلم لالام في الركبة، واياكي يا نفسي ان تحدثيني بهذا الامر مجدداً، فانت تعرفين انه ليس هذا من طبعي ولست انا من ينسحب، اجابتني ولكن الالم شديد، رددت، اولن ينتهي هذا السباق؟ سينتهي وان كان امامنا نحو ثلاث ساعات او يزيد ولكنه سينتهي، وبعدها بامكاننا ان نستريح، اما الان فامامي سباق لانهيه، وداعاً، ودعت نفسي التي كانت تحدثني وحاولت التركيز على السباق

في الكيلومتر العشرين عادت نفسي للحديث معي مجدداً، انك تعانين، وبالرغم من ان ذلك كان حقيقياً الا انني اجبتها، كلا، لا اعاني وانهيت الحوار سريعاً، بدأت بتشجيع نفسي لكي استطيع الاستمرار، انت تستطيعين، لقد فعلتها وبسهولة قبل اقل من اسبوعين، وبامكانك ان تفعلينها اليوم ايضاً، تكلمت ركبتاي وقالتا، ولكن ماذا عني، انا لا استطيع تحمل كل هذا الالم، قلت لا بأس عليكما، ستكونان بخير، اعدكم بكثير من الثلج والماء البارد حال عودتنا الى الفندق، اعرف ان الالم شديد الآن ولكنه الم ساعة، اما الفخر بعد ذلك فهو فخر كل ساعة والى الابد، كما انني ساحدث الناس عنكما واقول انكم كنتم اقوياء بشكل استثنائي، وتحملتم الكثير من اجل ان ننجز هذا الامر معاً، اسكتتني احداهما بالم لم استطع معه الاستمرار في الجري، حسناً، قلت لنفسي، لا بأس سأتوقف قليلاً عن الركض وأمشي لبضع دقائق، بعد قليل عدت للركض ولكني سريعاً مع اضطررت للعودة الى المشي مرة اخرى، حصل ذلك اكثر من مرة، استمرت معاناتي دون توقف طوال فترة السباق، ركضت حيناً ومشيت حيناً، وكنت مستعدة للزحف ان تطلب الامر لانهي هذا السباق، فما بدأت به من عمل لا بد وان انجزه، هذه انا وهذا هو طبعي

علا مع ميدالية ماراثون لندن

وصلت الى خط النهاية بعد خمس ساعات وعشر دقائق، كنت فرحة بانهاء ثاني ماراثون في حياتي، ولكن ساقاي وركبتاي كانتا تتمزقان، كدت ابكي من شدة الالم، استلمت ميداليتي والتقطت بعض الصور، جمعت اغراضي بسرعة وتوجهت الى غرفة الفندق، استمر الالم شديداً طوال ذلك اليوم، بقيت مستلقية على فراشي بلا حراك، شعرت بالجوع ولكني لم استطع النهوض حتى لتناول طعامي، بقيت معظم اليوم في الفراش، وان غادرته فان ذلك قد حصل مرة او مرتين فقط لالقي نظرة من نافذة غرفتي بهدف تحريك اعضاء جسدي المتعب واعود ثانية الى الفراش، كانت تجربة قاسية، اذ بدى من الواضح ان فترة اسبوعين بالقطع لا تكفي ليرمم الجسد نفسه ويسترد طاقته وعافيته بعد سباق ماراثون

ماراثون نيويورك

في نوفمبر من العام 2019 وبعد استعدادات جيدة، شاركت في ماراثون نيويورك، كنت اعرف التفاحة الكبيرة (كما يطلق عليها سكانها) معرفة جيدة، لم اشعر باي توتر او قلق قبل انطلاق السباق، كنت اعرف ان ما واجهته في لندن كان نتيجة قصر المدة بين سباقين يحتاجان الى الكثير من الراحة، كنت مليئة بالثقة بان السباق سيكون جيداً

توجهت صباحاً الى نقطة البداية، كان المتسابقون من حيث العدد كما كانوا في باريس ولندن، نحو خمسون الفاً او يزيد قليلاً، ولكن المشجعين كانوا بكل تأكيد اكثر عدداً، اعداد عفيرة من الناس اصطفت على جانبي الطريق لتشجيع المتسابقين، يا الهي كم احببت ذلك السباق، كان كل شيء منظم بطريقة لافته، المشجعين كانوا رائعين، المتسابقون كانوا اقوياء، والمسار كان جميلاً، حقاً لم اشعر بثلاث ساعات وسبع وخمسون دقيقة انهيت فيها ثالث ماراثون اخوضه وبافضل زمن لي على الاطلاق

اليوم، وفي ظل ظروف استثنائية فرضتها جائحة كورونا، اقوم بالركض ثلاث مرات اسبوعياً على الاقل، اقوم بها لنفسي، لصحتي وقوتي وفكري، واقوم بها لاثبت لكل امرأة ولكل رجل بان المرأة تماماً كما الرجل، قادرة على تحقيق احلامها واهدافها وان كانت امرأة شرقية عربية، واقوم بها استعداداً لثلاث ماراثونات اخرى قادمة لاصبح بعدها اول اردنية تكمل عقد الستة ماراثونات الكبرى حول العالم

في النهاية، ادعو كل من يقرأ هذه القصة عدم انتظار الوقت المناسب ليبدأ مشواره نحو حلمه، فحلمك سواء كان مشروعاً استثمارياً، شهادة لطالما حلمت بتحصيلها، رياضة ترغب بالتميز فيها، يبدأ عندما تقرر انت ان تخطو نحوه خطوتك الاولى، اما النجاح فهو رحلة الى قمة جبل، رحلة فيها من الصعاب ما فيها، لن تستطيع تسلقه ويداك في جيبك، النجاح حليف كل مجتهد مجد مثابر يسعى وراء حلمه بلا كلل وبلا ملل

اقرأ ايضاً على مدونة اركض كيف تركض اول خمسة كيلومترات للمبتدئين

تابع افضل نصائح التغذية على صفحة علا أسعد على الانستاغرام