أُطلقت شارة البداية وانطلق العدائون، إن لم يسبق لك ان شاركت في سباق للجري فانك قد لا تعلم بان هذه الانطلاقة لعدائي السباق تجرك لمحاولة الركض على وتيرتهم، وهذا ما حصل لي بالضبط، اذ بالرغم من ادراكي لضرورة تجنب البداية القوية الا ان روح الحماسة دفعتني لمجاراتهم، ومع ذلك شعرت بانني اركض بشكل جيد وانني قد استطيع تحقيق زمن افضل من ذلك الذي وضعته هدفاً لنفسي قبل بداية السباق وهو اربع ساعات

كانت الخمسة كيلومترات الاولى سهلة وسريعة، اذ انني ركضتها بافضل زمن لي ولم اشعر باي تعب، فاستمريت على نفس السرعة وبدأت باحتساب الزمن المتوقع للنهاية، وقدرت بانني ان استطعت الاستمرار على هذا النحو فانني سأحقق زمناً افضل بكثير من الزمن المستهدف، قد استطيع انهاء السباق بثلاثة ساعات ونصف

انهيت العشرة كيلومترات الاولى، شعرت بقليل من التعب الا انني كنت لا ازال بوضع جيد، استمريت سعياً وراء ذلك الزمن الاسطوري الذي خيل لي انني ساحققه اليوم، بدأت ساقاي بالشد تدريجياً الا انه كان الماً محتملاً، شددت من ازر نفسي وتابعت الجري على نفس الوتيرة ولا زالت احلام تحقيق زمن ثلاثة ساعات ونصف تداعب بنات افكاري، يا الهي كم انني قوي (قلت لنفسي) وانا اركض بحدود الكيلومتر الخامس عشر وبنفس الوتيرة التي بدأت بها السباق تقريباً

نظرت في ساعتي الرياضية، وجدت ان وتيرة ركضي تراجعت بعض الشئ، لا يهم قلت لنفسي، وتابعت حديثي انني ان استطعت المحافظة على هذا المنوال فانني بلا شك سأحقق رقماً افضل بكثير من ذلك الذي وضعته هدفاً لنفسي قبل السباق، ساحقق اربع ساعات الا ربعاً

بدأت اشعر بالتعب ولم اصل بعد الى مسافة نصف الماراثون، اعتقد انني كنت في الكيلومتر الثامن عشر، نظرت في ساعتي وكانت سرعتي قد تراجعت اكثر، بدأت اشعر بان تلك البداية القوية بدأت تؤثر على قوتي وقدرتي على التحمل، ودار حوار اخر مع نفسي، هل انسحب؟ لقد تعبت، حقاً تعبت. اجبتها كيف انسحب وقد اعلمت كل من اعرف في عمان بانني مسافر لاركض اول ماراثون في حياتي، ماذا اقول لاصدقائي واقاربي الذين طالما نظروا الي كمثال في القوة والعزيمة لما ابديته من اصرار على الاستمرار في التمارين، هل سأقول لهم تعبت وانسحبت، لا لن انسحب وسأستمر

نظرت في ساعتي مجدداً كنت قريباً جداً من الوصول على منتصف المسافة، مسافة واحد وعشرون كيلومتراً، يا الهي قلت مجدداً، ما بقي من السباق اكثر من الذي قطعته بالفعل وقد اكون قد وصلت لاقصى ما يمكن ان اتحمله في هذا اليوم، هل انسحب، تسائلت مرةً اخرى، لم اعطها كثيراً من الوقت لتحدثني عن الانسحاب، اسكتها وقلت ساستمر ولا يهم ان انهيت السباق باربع ساعات، فهذا هو الهدف الذي وضعته لنفسي قبل خوض هذه التجربة وها انا ذا اسير نحو تحقيقه ان استطعت الاستمرار على هذه السرعة، كانت سرعة ابطأ من متوسط سرعتي عندما اقوم بركض عشرون او ثلاثون كيلومتراً في عمان، ولذلك فانني لابد وانني ساتمكن من المحافظة عليها وانهاء السباق بحسب الخطة باربعة ساعات

ازداد حر ذلك اليوم الاوروبي الشتوي، وبدا وكانه يوماً ربيعياً حاراً، ارتفعت الشمس وارتفعت معها حرارتها، بدأت اشعر بشيء من الاعياء، ولكن لا يمكن ان تنتهي قصة اول ماراثون بهذا الفشل الذريع، شددت من ازر نفسي واستمريت بالجري، اصبحت اراقب ساعتي كل بضع دقائق، هل اقتربنا من النهاية؟ لا ليس بعد! لا زال السباق طويلاً!!، تراجعت سرعتي اكثر وقبلت بان احقق زمناً جيداً وبواقع اربع ساعات وعشرة دقائق او خمسة عشر على الاكثر

تجاوزت الكيلومتر الثلاثين، وبدأ الامر يزداد صعوبة، تراجعت سرعتي بشكل كبير وبديت وكانني اسير سيراً بالرغم من محاولتي المحافظة على شكل الجري، بدأت انتظر بلهفة كل محطة لتوزيع قوارير المياه او الاسفنج حيث كان لهم اثراً ايجابياً في التخفيف من شدة التعب، حدثتني نفسي مجدداً هل انت سعيد بما فعلته بنا؟! هل هذا هو ما اردت؟؟! لقد انهكنا وما زال امامنا عشرة كيلومترات على الاقل، اخرستها واستمريت بالجري، ولكنني كرهت كل دقيقة ركضت فيها، فانا حقاً لم اعد احتمل كل هذا الاجهاد. بدأتُ عداً تنازلياً لنقطة النهاية عند الكيلومتر الخامس والثلاثون، حيث كنت اتطلع لتلك اللحظة بكل لهفة، نظرت في ساعتي مجدداَ وقلت لايهم الوقت المهم ان انهي السباق

اخيراً بقي كيلومترين اثنين، شجعت نفسي وقلت لها لقد ركضنا اربعين كيلومتراً ولم يبقى سوى كيلومترين اثنين، فلِنُنههِم بقوة ونرتاح، اجابتي انهِهم بقوة لوحدك، فانا انتهيت واريد لهذا الكابوس ان ينتهي، جررتها وركضنا نحو خط النهاية، وبدأ المشجعين المنتظرين عن نقطة النهاية بالظهور تدريجياً وازداد عددهم اكثر كلما اقتربت من خط النهاية، كثيراً منهم من كان يقوم بالتصفيق والتصفير لتشجيع العدائين على الاستمرار، كنت بامس الحاجة الى ذلك التشجيع حتى عبرت خط النهاية

انتهيت السباق بزمن اربعة ساعات واربع وثلاثون دقيقة، كرهت كل دقيقة من تلك الدقائق المائتان واربع وسبعون، اوقفني احد المتطوعين وسلمني ميدالية المشاركة، لقد اصبحت ماراثونياً، قلت لنفسي بفخر ممزوج بالألم وانا انظر الى ميداليتي، اوقفني علاء احد اصدقائي في فريق رننغ عمان والتقط لي صورة عند خط النهاية تظهر الزمن الذي انهيت به السباق، جررت جسدي لاقرب مكان لارتاح، صدقاً لم استطع ان اصعد عتبة الرصيف من شدة الانهاك، استلقيت على جانب الطريق لالتقاط انفاسي وبقيت مستلقياً ما لا يقل عن عشرون دقيقة. انجاز رائع، قالها لي بسعادة وفرح اصدقائي من فريق رننغ عمان، اجبت قد يكون، ولكنني لن اكررها ابداً في حياتي، قلتها وانا لا اعلم ان كنت دعابة ام حقيقة، مُحتار هل ارغب بتكرار هذه التجربة ام لا. توجهنا الى احد المطاعم وتناولنا جميعنا طعام الغداء وعدنا الى اماكن اقامتنا

هل كررتها؟ هل سأُكررها؟ سأخبركم بذلك في المرة القادمة. ولكن، ماذا عنك انت؟ هل تستطيع ان تفعلها؟ بالتأكيد تستطيع، فحكايتي التي بدأت قبل نحو عامين وانا في الثالثة والاربعين من العمر ومدخن لاكثر من سبعٌ وعشرون عاما منها بدأت بالجري لمسافة نصف كيلومتر فقط ووصلت اليوم الى الماراثون، الجري الذي بدأ بخمسة دقائق وصل اليوم الى اكثر من اربع ساعات من الركض المتواصل وانا في الخامسة والاربعين من العمر. حقيقة ودون مجاملات، اشكر كل عضو من اعضاء فريق Running Amman، فلولا فضل الله اولاً، وهذا الفريق ثانياً لما وصلت الى ما وصلت اليه، ولما تعلمت كل ما تعلمت، نعم تعلمت الكثير الكثير وساحدثكم عن ذلك قريبا