بعد العودة من سباق الماراثون في مالطا بدأت الاستعداد لسباق البحر الميت الى البحر الاحمر (Dead2red) والذي تنظمه مؤسسة Amman Road Ruuners لمسافة 242 كيلومتر، وهو سباق تتابع يمتد لاربع وعشرون ساعة تقريباً،حيث يمكن للمتسابقين الاختيار بين ركض المسافة بشكل منفرد، او من خلال فرق مكونه اما من خمسة او عشرة متسابقين، فريق Running Amman قام بتشكيل عدة فرق كنت عضواً باحدها مكون من عشرة متسابقين، وكان موعد السباق بعد اقل من عشرة ايام فقط، استعديت بشكل جيد الا ان السباق تم الغائه  نظراً للظروف الجوية التي كانت تمر بها مدينة العقبة في يوم انتهاء السباق

الاستحقاق التالي كان بعدها بنحو شهر، سباق القمر المكتمل (Full Moon Desert Marathon) في منطقة وداي رم جنوبي الاردن والذي تنظمه شركة Treks، اقل من اسبوع واحد وتم الغاء السباق ايضاً نظراً لاعلان منظمة الصحة العالمية عن تصنيف فيروس كورونا كجائحة

 اصابني الاحباط نتيجة القيود التي حدت من قدرتي على ممارسة رياضة الجري، فقد اصبحت هذه الرياضة جزءاً مني ومن حياتي، وباقتراح من اعضاء فريق رننغ عمان بدأنا بممارسة نشاط الجري على اسطح منازلنا، كانت محاولة للمحافظة على لياقتنا البدنية قدر المستطاع لعل الامر لا يطول

بعدها بايام قرات منشوراً على احد صفحات التواصل الاجتماعي التي اتابعها وهي لفريق ركضة 530 (530 run)، والذين كنت قد قمت بالركض معهم اثناء تواجدي في امارة دبي، يعلنون فيها عن تنظيم سباق ماراثون منزلي لمسافة اثنان واربعون كيلومترا بالتعاون مع اكثر من جهة في دولة الامارات العربية المتحدة، وقد كان من اهم شروط السباق ان يتم ركض كامل المسافة داخل المنزل، تقدمت بطلب الاشتراك وبدأت بالاستعداد

جاء يوم السباق سريعاً، ايقظني رنيين المنبه الساعة الخامسة والنصف، وكالعادة قبل اي سباق او ركض تناولت وجبة خفيفة غنية بالطاقة وبعضاً من القهوة غير المحلاة، ارتديت ملابس الجري وساعتي الرياضية، وصعدت في موعد انطلاق السباق في تمام السابعة صباحاً الى شقة اخي، فهو يمتلك شقة في نفس البناية ويقيم خارج البلاد، كنت قد حملت معي ما احتاج اليه من مياه ووجبات خفيفة، وبدأت بالركض داخل المنزل، قسمت المسافة الى اربعة اقسام، الجزء الاول ينتهي بانتهاء نصف المسافة، انهيتها بصعوبة لا اقول بالغة ولكن شعرت بالم خفيف اسفل كعب قدمي لاستمرار الضغط على نفس المكان نتيجة الدوران المستمر في مساحة ضيقة، قررت اخد قسطاً من الراحة لنحو نصف ساعة، نزلت الى منزلي وتناولت وجبة خفيفة تساعدني على الاستمرار ولا تؤثر سلبياً على قدرتي على الجري

استأنفت الركض وكنت قد بدأت فعلاً بالشعور بالتعب، سأستمر على نفس الخطة قلت لنفسي، ولكني ساجري تعديلاً بسيطاً، فبدلاً من ركض الواحد وعشرون كيلومتراً المتبقية على ثلاث جولات متساوية كل منها سبعة كيلومترات، ساركض تسعة كيلومترات ثم سبعة ثم خمسة. متنقلاً من غرفة الى غرفة، فالمطبخ فغرفة المعيشة جريت داخل المنزل، بدأ الم قدمي يشتد، ولكنني قلت لم ولن استسلم، سأستمر.

تزايد الالم بشكل كبير، فقررت اضافة قسماً اضافياً لخطتي في اكمال السباق فاصبحت اربعة، قسمتها الى ثمانية، ستة، اربعة، وثلاثة كيلومترات، ومنحت نفسي راحة تراوحت من عشرة الى خمسة عشر دقيقة بين كل منها

بصعوبة بالغة وصلت الى الكيلومتر الاخير، وكالعادة كلما تقدمت في المسافة ازدادت صعوبة المهمة، شعرت بالدوار وبدى لي انني ساسقط على وجهي من شدة الاعياء، خففت سرعتي اذ انني كنت على وشك الانتهاء ولم يتبقى سوى اقل من نصف كيلومتر واحد

بعد جهد بالغ انهيت السباق الافتراضي بحدود الساعة الثالثة ظهراً اي بعد ثمانية ساعات من البداية، تخللها عدة استراحات وبحسب ما تسمح به تعليمات السباق، وكان الزمن النهائي هو خمسة ساعات وثمانية وخمسون دقيقة

سباق مؤلم اخر انتهى، لم استطع نزول السلم المؤدي الى منزلي من الالم والتعب، لكن اضاف هذا السباق الى خبرتي وتجربتي الكثير، ليس فقط في مجال رياضة الجري، ولكن على مستوى جميع تفاصيل الحياة، اذ انه لا مستحيل عندما تقرر انك يمكنك القيام بشيء ما

كانت هذه هي القصة الاخير في سلسلة حكايتي مع الركض، حقيقة تعلمت منها الكثير الكثير، وساقوم بنشر ملخص لما تعلمته في المنشور القادم.

ان كنت ترى ان في هذه القصة ما يفيدك او يفيد احداً غيرك، فضلاً لا امراً شاركها مع أصدقائك لتعُم الفائدة