انقشعت غيوم الشتاء، ومدت الشمس خيوط اشعتها الذهبية الدافئة الى كل ما خلق الله على الارض لتجفف مياهاً جرت في شوارع المدينة خلال شتاء بارد غير اعتيادي، تفتحت الازهار وزققت العصافير ايذاناً ببدء فصل الربيع بالوان نباتاته وازهاره، بزرقة سمائه ودفء نهاره، وحان موعد سفري الى باريس. كانت بدايات شهر ابريل لا تزال باردة في عاصمة النور، هبطت الطائرة على مدرج المطار وانا انظر من خلال نافذتي الصغيرة واتسائل، هل ساستطيع ان اكمل مسافة اثنان واربعون كيلومتراً، هل سأستطيع ان اكمل ماراثون باريس، كيف سيكون ذلك اليوم، تسارعت نبضات قلبي، تجاهلتها ولملمت امتعتي مغادرة الطائرة والمطار متوجهة الى مكان اقامتي
خرجت في صباح اليوم التالي محاولة استكشاف مسار السباق، كنت احاول ان اجد ما يشعرني بالفة مع المكان لعله يهدء من روعي، مر النهار سريعاً وحل الظلام واضائت المصابيح ومقاهي باريس شوارعها الجميلة، دعوت ربي ان يجعل الامر سهلاً، ثم استئذنتها عائدة الى الفندق لاخلد الى النوم استعداداً ليوم حافل صباح اليوم التالي
استيقظت في الرابعة والنصف صباحاً على رنين هاتف غرفتي، كنت قد طلبت ليلاً من موظف الاستقبال ان يوقظني في ذلك الوقت، نهضت من فراشي ورأيت ملابسي وحذائي الذين كنت قد اعددتهم ليلاً على الكنبة استعداداً للسباق، فتحت ستارة غرفتي ونظرت، كان الليل لايزال يلف المكان، والهدوء مسيطراً على جنبات المدينة، كانت الشوارع خالية تماماً من مظاهر الحياة، تبسمت عندما خطر لي كيف انها خلال ساعات قليلة فقط ستعج بالاف العدائين وساكون انا واحدة منهم، اصابتني قشعريرة نتجت عن شعور مختلط من الخوف والسعادة والفخر بانني ساركض سباق ماراثون، اغلقت ستارتي وتوجهت الى دورة المياه، غسلت وجهي ونظرت في المراة وقلت لنفسي بامكانك ان تفعلينها، فانت قوية بما يكفي للتغلب على عشرة كيلومترات اضافية عن اقصى مسافة قمت بركضها حتى اليوم، ستفعلينها وستصبحين في عداد عدائي الماراثون الذين تقل نسبتهم عن واحد في المئة حول العالم، شعرت بنوع من الثقة تسري في داخلي، تحركت وبدأت بجمع ما احتاج اليه في حقيبة صغيرة تهدى لكل مشارك في السباق، حملتها وغادرت الغرفة
كان سائق التاكسي بانتظاري عند مدخل الفندق، ركبت السيارة واتجهنا الى شارع الشانزيليزيه حيث نقطة بداية السباق، لم اتوقع ان اشاهد كل هذا العدد من المشاركين، كانت الاعداد غفيرة والاجواء احتفالية الى حد كبير، واصوات الموسيقى تملأ المكان، والرياضين من كل دول العالم تقريباً يقومون بالاستعداد والاحماء تمهيداً لانطلاق السباق، التقطت بعض الصور وبدأت عملية الاحماء معهم، شعرت مجدداً بالثقة تملأ كل جزء مني، وسريعأ تم الاعلان عن ضرورة توجه المشاركين الى نقطة البداية استعداداً للانطلاق
السباق
دقائق قليلة وتم اطلاق شارة البداية، بدأ ماراثون باريس وكنت انا احد العدائين المشاركين فيه، استمتعت بكل لحظة من لحظات تلك المنافسة، استمتعت بجمال واناقة شوارع مدينة باريس او “لا فيي لوميير” كما يحلو للفرنسيون تسميتها، بجمال مبانيها وازهار شرفاتها، كان سباقاً سلسلاً سهلاً جميلاً الى حد كبير، وفي المرات القليلة التي شعرت فيها بالتعب كنت اشغل نفسي عن التفكير بذلك بتشجيع نفسي بالقول تقومين بعمل رائع اليوم يا علا، احسنت، بامكانك ان تفعلينها وتحققي زمناً جيداً ايضاً، وتذكري بانك لا تمثلين نفسك فقط، انما تمثلين كل النساء العرب لا بل كل نساء الارض، حتى عندما اشتد التعب قليلاً بعيد الكيلومتر الثلاثون عدت لاحدث نفسي، انهينا ثلاثة ارباع المسافة، ولم يتبقى سوى الربع، ليس الامر بالمستحيل ولا حتى بالصعب، فنحن من يجعل الامر يبدو صعباً ان نحن زرعنا بادمغتنا انه صعباً، ونحن ايضاً من يجعل الامر سهلاً ان اقنعنا انفسنا بان الامر قابل للتحقق وعقدنا العزم والنية على انجازه كما ينبغي له ان ينجز، انهيت السباق بزمن اربع ساعات وخمسة وثلاثون دقيقة، يالسعادتي اصبحت ماراثونية، كنت في قمة الفخر والحماس، فها هي امرأة عربية اخرى تضاف الى مصاف النساء الماراثونيات، تبادلت التهاني مع المتاسبقين وخرجت مع اصدقائي مساء ذلك اليوم لتناول العشاء، كانت ليلة احتفالية بامتياز
بطلتنا علا ابدعت في ماراثون باريس، بس يا ترى كيف رح يكون ماراثون لندن، تابعونا يوم الاربعاء الساعة وحدة بعد الظهر مع الجزء الاخير من قصة بطلتنا علا اسعد مع الركض
اقرأ ايضاً على مدونة اركض قصة يوم تاريخي
استمع لنصائح الخبيرة علا اسعد في مجال التغذية على قناتها على اليوتيوب
اضف تعليقا